دلائل اكتشاف كواكب خارجية (TRAPPIST-1) قد تكون شبيهة بالأرض - جمعية الفلك بالقطيف

دلائل اكتشاف كواكب خارجية (TRAPPIST-1) قد تكون شبيهة بالأرض

د. أنور آل محمد

عضو جمعية الفلك بالقطيف

مثل اكتشاف نظام نجمي جديد يحتوي سبعة كواكب بعضها مشابهة لبعض ظروف الأرض، كشفاً جديداً في عالم استكشاف الكواكب خارج المجموعة. خصوصا أن النجم الذي تدور حوله الكواكب هو من النجوم القزمية (ترابست-TRAPPIST-1). كما أن أحجام بعضها ودرجة حرارتها مشابهة لكوكب الأرض. وكلمة ترابست هي اختصار لمشروع رصد الكواكب الخارجية باستخدام مناظير صغيرة لـ Transiting Planets and Planetesimals Small Telescope . ولقد كان جهد العلماء لعدة سنوات منصبا على البحث عن كواكب شبيهة بالأرض في نجوم شبيهة بالشمس، ولكن لصعوبة رصد ودراسة الكواكب حول النجومة الشبيهة بالشمس بسبب حجمها وقوة إشعاعها، فجاءت فكرة البحث عن كواكب شبيهة بالأرض في النجوم القزمية لسهولة رصدها.

وليست هي المرة الأولى التي تكتشف أمثال تلك الكواكب، ولكن ما يميز هذا الاكتشاف أنه تم لعدد كبير من الكواكب الشبيهة بالأرض في نفس النظام النجمي. كذلك فإن النجم الذي تدور حوله هذه الكواكب يعتبر قريب نسبيا حيث يبعد قرابة 39 سنة ضوئية. وقد تم رصد النظام ابتداءً من سبتمبر 2015م بمشاركة مسباري الفضاء سبتزر وهابل بالإضافة للعديد من المناظير الأرضية في شيلي والمغرب وهاواي وجنوب أفريقيا وأسبانيا وحتى الإعلان النهائي عن اكتشاف سبعة كواكب شبيهة بالأرض يوم 22 فبراير 2017م. وقد شارك في الكشف ثلاثة فلكيين عرب هم الدكتور خالد بركاوي والدكتور زهير بن خلدون من مرصد أوكيميدين بالمغرب والكتور ياسين المليكي من قسم الفلك بجامعة الملك عبدالعزيز بالسعودية. وفي هذه المقالة المختصرة سيتم استعراض الاكتشاف الجديد وخصائصه وأهم نتائجه ودلالاته بالإضافة إلى بعض الإكتشافات الحديثة حول إمكانية رصد بعض مظاهر الحياة خارج الكرة الأرضية.

الدكتور ياسين المليكي عضو فريق الدراسة، محاضرا حول الاكتشاف في مؤتمر الشارقة للفيزياء- FTAPS 2017

· النظام النجمي الجديد (TRAPPIST-1):

يقع النجم TRAPPIST-1 ظاهريا في برج الدلو حسب الشكل.1 ، ويبعد قرابة 39 سنة ضوئية وهو ما يعادل 10 أضعاف مسافة أقرب نجم للمجموعة الشمسية (ألفا قنطوريس يبعد 4 سنوات ضوئية). ويصنف هذا النجم من النجوم القزمة الباردة مقارنة بالشمس حيث يصغر حجمه عن حجم الشمس اثنتي عشرة مرة أي ما يزيد قليلا على حجم كوكب المشتري. وتكمن أهمية هذا النوع من النجوم لرصد الكواكب حولها، أن منحنى إشعاعها يتأثر بنسبة يمكن قياسها بسهولة عند مرور الكواكب أمامها (كسوف النجم جزئيا عند مرور الكوكب أمامه). وذلك ما مكن من تحديد فترة دورة الكوكب وحجمه وكتلته وكذلك المسافة بينه وبين النجم. كما أنا هذا النوع من النجوم هو الأكثر شيوعا في مجرتنا.


الشكل.1: موقع النجم TRAPPIST-1 في مجموعة الدلو Aquarius بالقرب من فلك الشمس Ecliptic(المصدر: EOS).

وتعد طريقة استخدام كسوف النجم ودراسة تغير منحى اشعاعه هي الطريقة الأكثر شيوعا في مشاريع رصد الكواكب الخارجية حيث تم بواسطتها اكتشاف آلآف النظم النجمية. ويمكن من خلال رصد منحنى الاشعاع لفترة كافية تحديد كواكب النظام النجمي الجديد. وقد أمكن التعرف على سبعة كواكب من هذا النظام من خلال رصد منحنى الاشعاعات الصادر عن النجم على مدى 20 يوم. حيث يدور الكوكب الأقرب TRAPPIST-1b حول النجم في فترة 1.5 يوم بينما تستغرق دورة الأبعد TRAPPIST-1h فترة 12.3 يوم. ويوضح الشكل.2 التغير في منحنى الاشعاعات المرصودة من النجم بسبب مرور الكواكب على مدى 20 يوم تقريبا.


الشكل.2: تغير منحنى الاشعاعات الصادرة عن النجم TRAPPIST-1-1 عند مرور الكواكب السبعة المكتشفة حوله (المصدر: TRAPPIST.one)

ويتألف النظام النجمي الجديد (TRAPPIST-1) من سبعة كواكب على الأقل يعتقد أنها صخرية بحسب كثافتها المرصودة. كما أن درجة حرارتها تؤهلها لأن تحتوي ماء سائل. وهي جميعها مقاربة لحجم الأرض إلا أن ثلاثة منها على الأقل يعتقد أنها مشابهة إلى حد كبير ظروف الأرض (ef , g) . كما في الشكل.3. وتتميز تلك الكواكب أن فترات دوراتها حول النجم هي بنسب صحيحة (24/24, 24/15, 24/9, 24/6, 24/4, 24/3, and 24/2) وهو ما يجعل هذا النظام أشبه بالنظام الدوراني المقفل كما هو الحال في نظام الأرض-القمر. حيث يواجه القمر الأرض بجهة واحدة أي أن فترة دورانه حول نفسه تساوي فترة دورانه حول الأرض. وكذلك الحال بالنسبة لجميع تلك الكواكب تقريبا.


الشكل.3: مقارنة حجم TRAPPIST-1بأحجام بعض كواكب المجموعة الشمسية (المصدر: EOS)

ويمكن تلخيص أهم خصائص تلك الكواكب مقارنة بالكواكب الصخرية الداخلية في المجموعة الشمسية في الشكل.4. حيث يوضح مدى تقارب خصائصهما. وتكمن أهمية هذا الكشف في هذه النقطة.


الشكل.4: خصائص النظام TRAPPIST-1 مقارنة بخصائص الكواكب الصخرية في المجموعة الشمسية (المصدر: NASA)

· إمكانية وجود حياة على النظام (TRAPPIST-1):

لعل إمكانية البحث عن أي شكل من أشكال الحياة على تلك الكواكب الجديدة المكتشفة هي من أهم ما يميز هذا الاكتشاف. وخصوصا أنها جميعا مقاربة لحجم الأرض وثلاثة منها يقع في النظاق المأهول (habitable zone) المشابه إلى حد كبير لدرجة حرارة الأرض ومقدار الاشعاع التي تتعرض له. ويوضح الموقع الرسمي الذي يديره بعض المشاركين في هذا الكشف (http://www.trappist.one/#) تفاصيل خصائص تلك الكواكب. ولكي يتم التحقق من إمكانية وجود الحياة فإن هناك أسئلة كثيرة ينبغي البحث عن إجابة له كما أن نتائج هذا الكشف والطريقة المستخدمة قاصرة في الوقت الراهن عن الإجابة عليها. حيث أن وقوع الكوكب في النطاق المأهول ليس كفيلا بحد ذاته لاثبات وجود الحياة لأن هنالك عوامل وظروف إضافية كثيرة ينبغي توفرها لاستمرار بقاء الحياة، هذا على فرض أن ظروف الحياة الخارجية مشابهة لظروف الحياة على الكرة الأرضية.

ومن أهم تلك الظروف هو وجود غلاف غازي مناسب للحفاظ على شكل الحياة إن وجدت. ويعتقد من خلال إشارات ودلائل غير مباشرة بوجود أغلفة جوية على تلك الكواكب. ولدراسة الأغلفة الجوية لتلك الكواكب، لابد من استخدام تقنية أكثر تقدما ودقة من الاعتماد على تغير منحنى الاشعاع لعبور الكوكب. وبسبب قرب هذا النظام نسبياً فإن العلماء يأملون أن يوفر المنظار الفلكي العالمي ( James Webb Space Telescope) فرصة لدراسة الأغلفة الجوية وخصائصها في السنوات المقبلة عندما يتم إطلاق المنظار وغيرها من المراصد العالمي التي هي في طور البناء.

وحتى لو تم الكشف عن تشابه بين الغلاف الجوي لبعض تلك الكواكب مع كوكب الأرض، فإن النظام الدوراني المقفل حيث يظل أحد وجهي الكوكب مواجه للنجم (نهار) والوجه الآخر في حالة الليل قد يشكل تحديا كبيرا لوجود أي شكل من أشكال الحياة. حيث يظل احتمال ارتفاع درجة الحرارة أو انخفاضها أو شدة الاحتباس الحراري (كما هو الحال في كوكب الزهرة) من الأمور التي لا يمكن تجاهلها. كما أن قرب بعض تلك الكواكب من النجم قد يؤدي إلى تلقيها كمية كبيرة من الأشعة فوق البنفسجية أو السينية بحيث تؤثر بشكل سلبي على احتمالية وجود أي نوع من أنواع الحياة على تلك الكواكب.

وخلاصة القول أن هذا الاكتشاف يحمل أهمية كبيرة في طريق استكشاف الكواكب والحياة خارج المجموعة الشمسية. ولكن لحد الان لم يتم رصد أي صور من صور الحياة البدائية في أي مكان آخر خارج كوكب الأرض مع أنه لا يوجد أي مانع عقلي من وجود حياة بدائية أو مركبة أو حتى عاقلة خارج الأرض. فهل يظل تساؤل البشرية القديم قائماً حول وجود حياة خارج كوكبنا أم أن المستقبل القريب يحمل أنباء جديدة قد تضع نهاية لهذا التساؤل. هذا ما لا يمكن تأكيده أو نفيه والله بكل شيء محيط.

إشترك في القائمة البريدية

سيصلك كل ما هو جديد من أخبار و أنشطة الجمعية