حل لغز النيوترينو أنور آل محمد - عضو عامل - جمعية الفلك بالقطيف

حل لغز النيوترينو أنور آل محمد - عضو عامل

منذ أن وضع العالم البريطاني آرثر أدنتجون (1920م) نظريته لتفسير الطاقة المتولدة في النجوم والشمس. والتي جاءت كنتيجة منطقية لاكتشاف المواد المشعة ووضع النظرية النسبية التي وضعت الأسس العامة لفهم عملية الانشطار والاندماج النووي. وقد اعتبر أدنتجون أن طاقة الشمس تنتج من عملية اندماج نووية تحدث في قلب الشمس وذلك باندماج نواتي هيدروجين (H) مما يتكون عنهما نواة هليوم (He) وإلكترون موجبة الشحنة يسمى بوزيترون (e+) وجسيم يعتقد العلماء أنه عديم الكتلة يسمى النيوترينو (n). هذا بالإضافة للطاقة الهائلة التي تتولد نتيجة ذلك التفاعل والتي تصل إلى سطح الشمس بعد مرور ملايين السنين من حدوث التفاعل.

ولأن النيوترينو ضعيف التفاعل مع المواد فإنه يخرج من قلب الشمس مباشرة بعد حدوث التفاعل ويصل إلى سطح الأرض بسرعة يعتقد أنها تصل إلى سرعة الضوء وبنسبة تدفق عالي تصل إلى 5 ملايين جسيم لكل سنتمتر مربع. وقد أهتم العلماء بدراسة هذا الجسيم لأنه يوفر فرصة دراسة التفاعلات الشمسية بشكل مباشر لأنه يصل مباشرة من منطقة التفاعلات النووية في قلب الشمس. وتكمن الأهمية الأخرى لدراسة هذا الجسيم في التعرف على اللحظات الأولى لبداية الانفجار الكبير (Big Bang) الذي تشكلت منه أجزاء هذا الكون. حيث يعتقد العلماء أن القوة الطبيعية كانت متحدة قبل الانفجار الكبير، وعند بداية الانفجار كانت المادة المتشكلة تتكون بشكل أساسي من هذا الجسيم. لذلك فالتعرف على هذا الجسيم بشكل أكبر سيؤدي إلى صياغة نظرية لتوحيد القوى الطبيعية.

لذلك عكف العلماء على محاولة التقاط هذا الجسيم على سطح الأرض. ومع كبر نسبة تدفقه إلا أنه ضعيف التفاعل مع المواد مما يجعل من التقاطه على سطع الأرض أمراً صعب المنال وخصوصاً مع كثرة وتنوع الجسيمات والإشعاعات الكونية التي تصل إلى سطح الأرض والتي تتفاعل بشك أكبر مع المادة. ومن أجل تجنب تلك الإشعاعات بدأ العلماء في بناء مختبرات التقاط لهذا الجسيم تحت سطح الأرض منذ منتصف الستينات في القرن الماضي. حيث شيد في الولايات المتحدة مختبر على عمق 1.5 كيلومتر تحت سطح الأرض وقد احتوى المختبر على خزانات تحتوي 516 طن من سائل يستخدم لالتقاط ذلك الجسيم. ويعود استخدام ذلك الحجم الكبير من السائل إلى رفع نسبة حصول التفاعل بين النيوترينو وجزيئات السائل. ولكن النسبة الملتقطة من هذا الجسيم لم تتعدَ ربع القيمة المتوقعة نظرياً.

ثم توالت محاولات العلماء لالتقاط ذلك الجسيم بطريقة مشابهة لتلك للطريقة التي استخدمت في الولايات المتحدة، وحتى العام 2001م ولكن النسبة الملتقطة لم تتعد ثلث النسبة المتوقعة نظرياً. فبرزت الكثير من التساؤلات حول دقة وكفاءة تلك التجارب، ثم تجاوزت تلك التساؤلات لتصل إلى النظرية الأساسية التي وضعها أدنتجون حول طاقة النجوم. كما وضعت عدة نماذج لكيفية تلك الطاقة ولكنها لم تفلح في مطابقة النسبة التي تم التقاطها وقياسها. هذا مع تطابق بعض القياسات الشمسية المتعلقة بجوانب أخرى مبنية على تلك النظرية وذلك بشكل دقيق. فبرزت نتيجة ذلك ما يسمى بلغز النيوترينو.

أمام هذه النتائج حاول العلماء إعادة النظر في طبيعة النيوترينو كجسيم فيزيائي حيث كان يعتقد حسب نظرية الجسيمات، أنه توجد ثلاثة أنواع لهذا الجسيم وهي مختلفة كلياً عن بعضها البعض. وهي النيوترينو-إلكترون و النيوترينو-ميون و النيوترينو-تاو، والنوع الذي ينتج في قلب الشمس هو من النوع الأول. ولم يكن يتوقع حسب تلك النظرية أن يتحول أحد هذه الأنواع إلى النوع الآخر، لأن مثل هذا التحول قد يتعارض مع فكرة أن النيوترينو عديم الكتلة يسير بسرعة الضوء. لذلك فقد صممت التجارب لتلتقط النوع الأول فقط. ولكن في العام 1998م التقطت مؤشرات قوية تشير إلى تحول النوعين الأخيرين في الطبقات العليا للغلاف الجوي. واعتماداً على هذه المؤشرات ظهرت فكرة تحول النوع الأول أيضاً إلى النوعين الأخريين أثناء حركته دخل الشمس أو في المسافة بينها وبين الأرض أو في الغلاف الجوي للأرض، شكل-1. وعلى هذا الأساس صممت التجارب اللاحقة لالتقاط النيوترينو الشمسي.

ولعل مرصد سدبيري (SNO) الذي شيد في ولاية أونتاريو يعتبر من أكبر مراصد النيوترينو التي صممت لالتقاط جميع أنواع النيوترينو بغية التحقق من تطابق النسبة النظرية والملتقطة وكذلك للتأكد من تحول هذا الجسيم من نوع إلى آخر. ويتم التقاط تلك الأنواع بواسطة 1000 طن من الماء الثقيل الموضوع في إناء ضخم يطفو في تجويف أحد المناجم على عمق 2 كيلومتر تحت سطح الأرض، شكل-2. وهذا الإناء مكون من 9500 متحسس للضوء يمكنها رصد أي جسيم. وبجمع البيانات الملتقطة من نوفمبر 1999 إلى مايو 2001 وتحليلها توصلوا إلى أن 1.75 مليون من 5 مليون لكل سنتمتر مربع تمثل نيوترينو-إلكترون أي بمقدار ثلث النسبة المتوقعة. وأما ثلثي النسبة المتبقية فقد تم رصدها في نفس المرصد على شكل النوعيين الأخريين

المصادر:

وبإضافة هذه النتائج مع نتائج حصل عليها المرصد الأميركي الياباني في ديسمبر 2002م توضح تحول ضد النيوترينو من نوع لآخر فقد تم حل لغز النيوترينو. وأمكن التحقق عملياً من نظرية أدنتجون بعد مرور أكثر من 80 سنة على وضعها، ولتضع حد لأكثر من ثلاثة عقود من الأبحاث والتجارب المعقدة لالتقاط النيوترينو. وليفتح هذا الإنجاز العلمي الباب أمام فهم أدق لفيزياء الشمس. كذلك فهو يؤسس لفهم أكثر لطبيعة تشكل هذا الكون الذي يعتقد أن هذا الجسيم يشكل جزءً كبيراً من المادة السوداء التي تشكل النسبة الأكبر منه.

1) Scientific American, April 2003.

2) Astronomy From the Earth to the Universe, Pasachoff, 1991.

3) Exploration of the Universe, Abell, 1982.

إشترك في القائمة البريدية

سيصلك كل ما هو جديد من أخبار و أنشطة الجمعية